النشاط : 1137348الموقع : https://www.facebook.com/groups/MansourachatGroup/
موضوع: البدع وبعض الشبهات المثارة حولها الأحد 25 أبريل - 11:09:30
بسم الله الرحمن الرحيم
البدع وبعض الشبهات المثارة حولها
الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ وَسَلَمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصَحَابِهِ أَجْمَعِين. أَمَّا بَعْدُ: فإنَّ مما ينبغي التنبيه عليه، أن أحدهم طرح سؤالاً يتعلق بالبدع، وطرح شبهةً يتعلق بها بعض الناس، يظن أنها حجة له في فعل بعض البدع، وهو أنَّ بعض الناس يقسمون البدعة إلي قسمين -على حد زعمهم-: بدعةٌ حسنة وبدعةٌ سيئة، وقد يستدلوا ببعض الأحاديث وبعض الآثار عن الصحابة، وسنناقش استدلالهم بحديثٍ وأثرين. أما الحديث فهو: حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)). كيف فهم بعض أصحاب البدع هذا الحديث؟ فهموه فهمًا معكوسًا تمامًا! وهكذا عندما يبعد الناس عن السنة تنعكس مفاهيمه، ويرون حسنًا ما ليس بالحسن، فماذا يقولون؟ فسروا "من سنَّ سنَّة"؛ أي: من فعل شيئًا لم يُسبق إليه، وفسروها على حد زعمهم بالبدعة الحسنة، فكأنهم فهموا أنَّ معنى كلمة: "من سنَّ"؛ أي: من ابتدع! -والعياذ بالله-، وهذا فهم منكوس ومعكوس تمامًا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من سنَّ))، ولم يقل: من ابتدع، وهل لأي إنسان أن يسنَّ سنَّة من عند نفسه؟ الجواب: ليس له ذلك، ليس له أن يسنَّ سنَّة من عند نفسه، إذًا ما معنى (من سنَّ)؟ نناقش استدلالهم بهذا الحديث من أربعة وجوه: ·الوجه الأول: من جهة الفهم، الفرق بين السنة والبدعة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من سنَّ)) والسُنَّة: هي الطريق التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والبدعة كما يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "طريقة مبتدعة في الدين تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله -تعالى-"، وبعبارة مختصرة -كما قال كثير من السلف-: "البدعة الإحداث في الدين"، إحداث أمر لم يكن عليه دليل من كتاب الله -عز وجل- ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالتدين بهذا الأمر يعتبر بدعة، التدين بهذا الأمر يعتبر بدعة، ولذلك فإن ((من سنَّ)) لا يمكن أن يُفهم منه أنه بمعنى ابتدع. ·الأمر الثاني: «سبب ورود الحديث» سبب ورود الحديث أنَّه جاء جماعة من الفقراء، فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم لحالهم، وحث الصحابة على الصدقة، فبدأ أحدهم بصرة عَجِزَ عن حملها وتتابع الناس بعده؛ فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأكوام من الطعام واللباس والخير؛ قال: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) إذًا هؤلاء الصحابة نفذوا سنة أم بدعة؟ نفذوا سنة أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحال، وهو الحث على الصدقة، فسبب القصة أو سبب ورود الحديث توضح المقام. ·ثالثًا: أنَّ السلف الصالح لم يفهموا من كلمة "من سنَّ" إلا أنَّ المقصود من أحيا سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبخاصة عندما يميتها الناس؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فطوبى للغرباء)) وفسرهم بأنهم الذين يحيون ما فسد من السنة، أو الذين يحيون سنتي عند فساد أمتي؛ المقصود بـ "من سنَّ" من أحيا سنة من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يعني مثلاً: لو أنك وجدت أُناسًا يطلقون أيديهم في صلاتهم في بلد من بلدان المسلمين، ولا يقبضون أيديهم ولا يضعونها على صدورهم كما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت علمتهم هذه السنة التي يجهلونها، وبيَّنت ذلك أن نسبة ذلك إلى الإمام مالك غير صحيحة؛ أعني نسبة الإسدال، فاتبعك الناس في ذلك فتمسكوا بهذه السنة، ثم هم علَّموا من لقيهم، فأنت ينطبق عليكِ أنك سننت سنة حسنة؛ لأنك أحييت سنة عندما أماتها الناس. مثال آخر: لو أنَّ مسلمًا يجهل قصر الصلاة في السفر، والقصر سنة، وفعلاً وجدنا في بعض البلاد الإسلامية لما قصرنا استغربوا، وقالوا: كيف تؤدون العصر ركعتين؟! والظهر ركعتين؟! من أين لكم ذلك؟! فأنت علمت الناس هذه السنة؛ فأحيوها بعدك وفق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبعوك في ذلك، فأنت بذلك قد سننت سنة حسنة. لو وجدت أي قوم يجهلون أي مسألة من مسائل الدين فأفتيت واتبعك الناس في ذلك، فإنك بذلك تكون قد سننت سنة حسنة. إذًا معنى "من سنَّ": من أحيا سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وبخاصة عندما يميتها الناس. هناك أمر رابع: وهو من أين لنا أن نعرف أن هذا حسنٌ وهذا قبيح؟ من أين؟ بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا دلَّ الدليل على أنَّ هذا العمل حسن؛ فهو سنة وليس بدعة، وإذا دلَّ الدليل على أن هذا العمل قبيح، ومما قبحه الكتاب والسنة البدع، كلها قبيحة بدون استثناء. فإذًا اتضح أن الاستدلال بهذا الحديث على تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، أنه تقسيمٌ بدعيٌ فاسد، هذا ما يتعلق بهذا الحديث، وكون بعض الناس يفهمه على غير وجهه. ·أما الأثران: فأحدهما: استدلاهم بقول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها خير"، متى قال هذا؟ عندما رأى الناس يصلون أوزاعًا في صلاة التراويح، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بهم فترة جماعة، ثم تأخر خشية أن تفرض على الأمة، وقد زالت هذه الخشية بانتقاله صلى الله عليه وسلم؛ فبقيت هذه السنة؛ فأمر عمر بإحيائها -رضي الله عنه- فلما قيل له إنك فعلت بدعة؛ قال: "نعمة البدعة هذه، والذي تنامون عنها خير"، إنما قصد عمر -رضي الله عنه- بكلمة: "نعمت البدعة"؛ يعني بذلك البدعة اللغوية باعتباره أنه أحيا أمر لم يكن موجودًا في عهد أبو بكر -رضي الله عنهما، أعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما- فهذه لم تحيى في عهد أبو بكر، وربما كان ذلك لمصلحة ما، أو أنهم يرون أن الأمر فيه سعة من جهة كون الأمر ليس بواجب، لكن لما جمعهم عمر خلف قارئ واحد؛ أجمع الصحابة على ذلك، فكان ذلك سنة لأمرين: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وصلى بالناس ثم تأخر خشية أن تفرض على الأمة، والأمر الثاني: أن عمر -وهو أحد الخلفاء الراشدين- وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها)) فعمر أمر بجمع الناس خلف قارئ واحد، واستحسن هذا العمل الذي فعله قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هو من الخلفاء الراشدين، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)) فأية بدعة في هذا؟ حتى يقولون أن هذه بدعة حسنة؛ لذلك فإن قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة هذه" إنما قال ذلك لمن زعم أن عمر فعل بدعة؛ لأنه يعلم أنها سنة؛ فكأنه يقول لهم: هب أني سلمت لكم أنها بدعة؛ فهي بدعة حسنة؛ لأنه يعلم أنها سنة ثابتة وليست بدعة، يعني يعلم أنه إنما فعل سنة ولم يفعل عمر بدعة؛ فكأنه يقول لهم: هذا الذي فعلته سنة وليس بدعة كما سميتموه، ولو سلمنا جدلاً أنه بدعة؛ فنعمت البدعة، لكننا لا نسلم أصلاً أن هذا العمل بدعة -كما قلت- لأمرين: وهو جمع الناس في صلاة التراويح، فإن ذلك مشروع لأمرين: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، وإن كان قد تأخر بعد ذلك خشية أن يُفرض على الأمة، والأمر الثاني: أنه قد فعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأمر به؛ فلذلك ليس فيها دلالة في استدلالهم بهذا الأثر. الأثر الثالث، أو الثاني بالنسبة للحديث: قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسنًا، وقد رأى المسلمون استخلاف أبي بكر -رضي الله عنه، رضي الله عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلي، وأخزى الله من أبغضهم، أخزى الله من أبغضهم، من يُبغض الخلفاء الراشدين أو الصحابة أخزاه الله، أخزاه الله، أخزاه الله- أقول: إن ابن مسعود قال هذا الكلام لبيان أن ما أجمع عليه الحل والعقد من المسلمين، وهو استخلاف أبو بكر -رضي الله عنه- إنه حقٌ وأمرٌ عظيمٌ وأمرٌ ثابتٌ؛ لذلك فإنَّ أهل الحل والعقد قد أجمعوا عليه، ثم إن هذا بإشارة تكاد تكون واضحة من المصطفى صلى الله عليه وسلم، منها قوله عليه الصلاة والسلام: ((ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً)) وكذلك تقديم النبي صلى الله عليه وسلم له لينوب منابه في الصلاة، ولذلك كون النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يصلي بالناس؛ حتى في أثناء مرضه الذي قبض فيه عليه الصلاة والسلام دليل واضح؛ ثم قوله أيضًا للمرأة إن لم أجدك؛ قال: ((اذهبي إلى أبي بكر))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اقتدوا بالذين من بعدي))؛ يعني أبا بكر وعمر، ونحو ذلك من المناقب، فيتضح من هذا إلى أن استخلاف أبو بكر -رضي الله عنه- يكاد أن يكون بالنص، ثم أن هذا الذي رآه المسلمون، وأجمعت عليه كلمتهم، ولم يخالف منهم أحدٌ؛ هو الرأي الحسن الذي هو من أدلة الإجماع؛ فالصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- أجمعوا على استخلاف أبي بكر -رضي الله عليه. فلننتبه، لا ننخدع بضلالات بعض المبتدعة والدجاجلة الذين ينالون من الصحابة ويقولون أنهم أحدثوا وغيروا وبدلوا، وهذه ألقاب هم أحق بها وأهلها، أعني من ينالون من الصحابة؛ فلننتبه لهذا، ولنحذر من هذه الشبه الخطيرة التي قد يتعلق بها المتعلقون، وينخدع بها ما لا ثقة عنده؛ فلابد من أن نتنبه في أنَّ البدع أو الشبه التي يستدلون بها على البدع إنما هي شبهٌ واهية، وشبهٌ خطيرة، وشبهٌ قد تفضي بصاحبها أحيانًا إلى الوقوع في الشرك، فما بالك في الوقوع في [الإثم]. فإذًا هذا أمر واضح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لمن تجرد من الهوى، ولمن تجرد من التعصب، ولمن تجرد لله -جل وعلا- وكان هدفه وضالته الحق، أنى وجده اتبعه، أنى وجده اتبعه. فإذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نترضى عن جميع الصحابة وأن نقدر لهم قدرهم، وأن نقدرهم بحسب تقدير الله لهم، فأفضلهم المهاجرون ثم الأنصار ثم أهل بدر ثم أهل بيعة الرضوان؛ ثم سائر الصحابة أجمعين. فلابد من فهم ذلك وإلا لا يمكن فهم الدين بغير فهم هذه الحقائق، ولذلك فإن شبه التي يتعلق بها الذين يدافعون عن البدع وينافحون عنها شبه خطيرة وكثيرة ويجب على المسلم البعد عنها، وعدم مشاركته في طقوسها.